اسلامي حياتي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولمركز التحميلقناة اسلامي حياتيf





 

 دروس في القرآن للشهيد مطهري

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الساحر
عضو جديد
عضو جديد
الساحر


الجنس : ذكر
نقاط : 9328
السٌّمعَة : 10
عدد المساهمات : 16
تاريخ التسجيل : 15/08/2011
تعاليق : انا ابن ابي وفارس الفرسان

دروس في القرآن للشهيد مطهري Empty
مُساهمةموضوع: دروس في القرآن للشهيد مطهري   دروس في القرآن للشهيد مطهري I_icon_minitimeالأربعاء أغسطس 17, 2011 12:07 am

الدرس الأول

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله
ونبيه وصفيه، سيدنا ومولانا أبي القاسم، محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين
الطاهرين المعصومين.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ *
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِين}(الشعراء/193،194،195).
ستكون أقوالي مختصرة جداً وقصيرة. إنني هذه الليلة سعيد ومسرور، وإذا كان بعض
الحاضرين المحترمين قد حضروا محاضراتي خلال الست أو السبع سنوات الماضيات يتذكرون
إني قد كررت في محاضراتي هنا، أو في حسينية الأرشاد، أو في أي مكان آخر، قولي
بضرورة "تشكيل دورات لدراسة اللغة العربية"، وهذا ما كنت أنبه إليه دائماً، وأقول
إن تدريس اللغة العربية من أهم وظائف

المؤسسات الدينية، سواء أكانت مسجداً، أم حسينية، أم هيئة، أو حتى في جلسات التفسير
وغيرها....مهما تكن، فإن من أهم المسائل تعليم اللغة العربية للأفراد والأطفال.
ولقد أوردت الكثير من الأدلة على هذه الضرورة، وسوف أورد بعضاً منها الآن بلغة
بسيطة لتشويق الزملاء والأصحاب.
إن اللغة العربية لغة كتابنا ولغة ديننا. تعتبر اللغة الفارسية بالنسبة لنا نحن
الإيرانيين، لغتنا القومية، ولكن اللغة العربية لغة ديننا ومذهبنا، بالنظر لكوننا
مسلمين ومتمسكين بالإسلام وبالقرآن، كتابنا الديني.
إن من خصائص القرآن التي يختص بها من بين الكتب السماوية هي إن لغته جزء من إعجازه.
إن أياً من الكتب الدينية لا يستند على لغته، بل على محتواه فحسب. فإذا أخذنا
التوراة، التوراة الأصيل الذي نزل على موسى، أو الإنجيل الذي نزل على عيسى، أو أياً
من الكتب التي نزلت على الأنبياء، نجد أن محتواها هو المقصود، دون الإلتفات إلى
اللفظ وجمال اللفظ، والخصائص اللفظية. إن المحتوى مهما يكن، وبأي لفظ كان، فهو
نفسه. أما القرآن، وهو الكتاب السماوي الأخير الذي نزل على البشر، فقد اقتضت الحكمة
الإلهية

أن تكون لغته ومحتواه الفني من صنع الله الذي أنزله على نبيه.
سبق لي أن ذكرت في إحدى جلسات التفسير للأخوة الذين كانوا حاضرين، جانباً مما يتعلق
بكلمة "إقرأ" حيث قلت لهم: لاحظوا أن هذه الكلمة لا تقال إلاّ إذا كان هناك نص قد
أعد من قبل. إي اقرأ ما أعد من قبل، وذلك لأن القرآن كان قد أعد بألفاظه في عالم
الوحي قبل نزوله على الرسول. فالآيات كانت مهيأة من قبل، ثم كانت تتلى أو تقرأ على
الرسول. وفي الوقت نفسه كان اللفظ، بكل ما فيه من خصوصية وجمال، قد عرض بأروع صورة
بحيث لو أن الضليع باللغة العربية وآدابها، يستعرض جميع النصوص العربية لما قبل
الإسلام وبعده (وطبيعي أن يقلد الناس كل رائعة تظهر إلى الوجود) بما فيها النصوص
الواردة عن الأئمة، مثلاً "نهج البلاغة" لأمير المؤمنين، و"الصحيفة السجادية"
للإمام زين العابدين، أقول لو أننا وضعنا هذه كلها إلى جانب القرآن، لوجدنا القرآن
يمتاز بأسلوب يختص به، ولم يسبق له مثيل.
إن الوقت لا يسمح الآن بأن أشرح بإسهاب كيف أننا عندما نقرأ في نهج البلاغة، في خطب
أمير المؤمنين،

التي تضج بالفصاحة والبلاغة، آية قرآنية، نراها تلمتع بين ما يحيط بها من كلمات
الإمام، ولا يخفى كونها تختلف، وأنها كلام غير ذاك الكلام. ثم جاء كثيرون، أصدقاء
وأعداء، وحاولوا أن ينسجوا على منواله، وفشلوا. إذن فهذه الخصوصية موجودة في كتابنا
السماوي - والخصوصية اللفظية التي هي جزء من إعجاز القرآن، أي إنه نزل هكذا مع
إعجازه اللفظي من قبل الله سبحانه وتعالى. ونحن بالنظر لكوننا متمسكين بالقرآن
ومتمسكين بالإسلام، لايسعنا أن ننظر إلى لغة الإعجاز التي نزل بها نظرة
اللاّمبالاة. أعتقد أن المرء إذا لم يكن متمكنا من اللغة العربية، ولا أقول كل
التمكن، ولكن إلى حد ما، لا يستطيع أن يدرك مفاهيم الإسلام.
نعود الآن إلى اللغة الفارسية، أفهل اللغة الفارسية هي لغة سعدي؟ أهي لغة حافظ فقط؟
كلا. أهي لغة مولوي أو لغة نظامي؟ كلا. أهي لغة فردوسي أو صناعي؟ كلا. لغة عطار؟
كلا. فلغة من إذن؟ إنها لغة مئات الشعراء والأدباء الذين تعاقبوا على صنعها.
لو لم يكن سعدي لكانت اللغة الفارسية، ولو لم يكن فردوسي لكانت اللغة الفارسية. ولو
لم يكن حافظ لكانت اللغة الفارسية، إن أياً من هؤلاء لم يصنع اللغة الفارسية

بمفرده. لو لم تكن مثنويات مولوي، لكان للغة الفارسية وجود أيضا. إن لهم، على كل
حال، مساهمتهم، بأقل مما هو موجود.
إن اللغة الوحيدة التي كان يمكن أن تزول من الوجود لولا القرآن هي اللغة العربية،
أو لو بقيت لكانت من اللغات المحلية المهجورة، مثل اللغات في الدرجة المئة والتي لم
يسمع بها أحد. إنها كانت لغة قبيلة بدوية. إلا أن القرآن أحيا اللغة العربية. ثم إن
اللغة العربية لا تختص بالعرب، بل إن العرب يختصون باللغة العربية. فأنت مثلا تقول:
المصريون، السوريون، الجزائريون، الأردنيون، العراقيون، المراكشيون، التونسيون، أي
إن أكثر العرب من غير الحجاز واليمن.
فهؤلاء العرب إنما هم عرب بلغة القرآن، أي إنهم لما نزل القرآن تمسكوا به، واختاروا
لغة القرآن، وهم لهذا أصبحوا عرباً، وإلا فإنهم من حيث العنصر ليسوا عرباً، لذلك
فإنهم هم الذين يعودون إلى اللغة العربية، وليس العكس، إن الخطأ الذي نرتكبه هو
أننا نحسب اللغة العربية تعود للمصريين، أو للجزائريين. ولكن الأمر ليس كذلك في
الواقع، فاللغة العربية تعود لنا بقدر ما تعود لهم. فهؤلاء يدعون باللغة العربية
لكونهم

مسلمين، وإلا فإنهم ليسوا عرباً، ولكنهم تكلموا بهذه اللغة وكتبوا بها، وأهملوا
لغتهم الأم. إنهم يرون اللغة العربية لغتهم لكونها لغة دينهم.
نحن أيضاً مسلمون، ولذلك ليست اللغة العربية لغة الحجاز، ولا لغة اليمن، إنها لغة
القرآن. هل يستطيع قوم أن يقولوا إن القرآن قرآنهم؟ الحجازيون، اليمنيون، المصريون،
ألهم أن يقولوا إن القرآن قرآنهم؟ ما من قوم له أن يدعي ذلك. ولما كانت اللغة
العربية لغة القرآن، فما من أحد له أن يدعي بأن العربية تختص به دون غيره. إن اللغة
العربية هي اللغة الدولية الإسلامية.
وعليه، فإننا بالنظر للضرورة الدينية، نعتقد بلزوم تعلم اللغة العربية، خاصة وأننا
نرى إن الآداب الإستعمارية تظهر القضية بشكل لا أدري ما وراءه من لغز، فاللغة
العربية تدرس في مدارسنا، ولكنه تدريس عدمه خير من وجوده، من بعض الوجوه. إنهم
يعلمون الطلاب بحيث إن أحداً لا يتعلم اللغة العربية، بل تتولد فيهم فكرة موحشة
عنها، ويفرون منها، حتى أصبح تعلم اللغة العربية في نظر الطلاب أشبه باقتلاع
الجبال. ولكننا نرجو أن تكون أمثال هذه المجالس والمحافل والمدارس،

بمديريها الكفوئين، قادرة على تدريس اللغة العربية بيسر وببساطة تزيل الرهبة من جو
الصفوف إزالة تامة.
المسألة الثانية في لزوم تعلم اللغة العربية، مسألة مهمة جداً. إننا، إذا شئنا
الحقيقة، لا نملك ثقافة عربية وأخرى فارسية. إننا نملك ثقافة إسلامية ذات وجهين،
وجه عربي وآخر فارسي، أو تركي، أو هندي، أو أردوئي الخ... إن الخبير المطلع على
الثقافات، والعارف بروح الثقافة الإسلامية، يلحظ أن هذه الثقافة تتجلى في لغات
مختلفة، ومنها اللغة الفارسية. فلكم أن تطلقوا على هذه الثقافة إسم الثقافة
الإسلامية بوجهها الفارسي. المهم هو إن هناك اليوم ثقافة لطيفة وعميقة. أود أن
أسألكم، هل يستطيع المرء أن يفهم الثقافة الفارسية بدون أن يتعلم العربية؟
ولتبسيط الأمر لا أستشهد بمثنوي، ولا بصناعي، ولا بناصر خسرو، ولكن فلنأخذ سعدي
الذي كان قوله من السهل الممتنع، فهو أساس المذكورين أسلوباً. فهل يتمكن أحد من أن
يفهم كلام سعدي فهماً جيداً بدون أن يكون ملماً باللغة العربية؟ فلننظر إليه حيث
نظم الشعر بالفارسية والعربية، شطر بالعربية وشطر بالفارسية. ولو لم يكن سعدي
عارفاً باللغة العربية لما كان سعدي، وما

كان يمكن أن يكون. إن من يعرف أدب سعدي، لابد أن يعرف أيضاً إن هذا الرجل قد تربى
في الثقافة العربية، حتى إنه يستعمل مصطلحات وتعابير لا تتفق مع المحيط الفارسي، بل
تتفق مع المحيط العربي:
"جشم بد أز دور أي بديع شمايل
ماه من وشمع جمع مير قبائل"
فتعبير مير قبائل (أمير القبائل) ليس تعبيراً فارسياً، بل هو تعبير عربي. وأمثال
هذا كثير إذا شئنا البحث عنه.
هنالك أفراد يحملون العداء لهذه الثقافة، ويريدون أن يزيلوا الثقافة الفارسية
الموجودة من الوجود، لأنهم أعداء الثقافة الإسلامية أصلاً. يقول هؤلاء: إن لنا
اقتراحاً بسيطاً جداً، وهو أن نغير حروفنا، فكل ما أصابنا من انحطاط وتخلف جاء من
الكتابة بهذه الحروف. فلنغير حروفنا إلى اللاتينية، مثلما فعلت تركيا وتقدمت
كثيراً.
ويضيفون قائلين: "علينا أن نسعى لإزالة اللغة العربية من اللغة الفارسية".
أتعلمون ماذا ستكون النتيجة؟ النتيجة هي أنه

بذهاب هذا الجيل والجيل الذي بعده، تصبح هذه الآثار التي مضى عليها ألف من السنين،
هذه الآثار الفارسية (ولا أقول العربية)، بما فيها كلَستان سعدي، أشياء غير مفهومة
عند الطالب الثانوي، أو حتى عند الجامعي. يقول ما أبدع هذا، فلكي ننجذب نحو
الغربيين جاؤنا بلغتهم الإنكليزية، وقد سبق أن حملونا باللغة الفرنسية، وهناك لغات
أخرى أيضاً، وهي لغات نعرفها، ونعرف حروفها، وندرك مفاهيمها جيداً، وكذلك نعرف
ثقافاتها، أو نتعلمها، وإذا انقطعت علائقنا بالماضي، فلا بأس. فماذا يكون حكمنا؟
سيكون حكمنا حكم اللقيط الذي يأخذونه إلى دار الحضانة، فيكبر هناك ثم يسألونه: من
أبوك؟ لا أدري. من أمك؟ لا أدري. لقد انقطع ما بينه وبين أبويه، ولا يعرف سوى
العلاقة التي تربطه بالمكان الذي تربى فيه، فمن أبوه؟ يقول: عندما كبرت رأيت هذا
الرجل. من أمه؟ يقول: عندما كبرت وجدت هذه المرأة. إنهم يريدوننا أن نكون مثل هؤلاء
اللقطاء الذين لا يعرفون أباً ولا أماً. إن والدّي كل قوم حضارتهم الماضية، تاريخهم
السابق. ولكن هؤلاء، لكي يقطعوا صلتنا بالماضي، يقترحون علينا أن نرفع اللغة
العربية.

ما كان سعدي بهذه المقدرة إلا بهذه اللغة الفارسية الجديدة، أي هذه اللغة التي
تستقى من اللغة الفارسية ومن اللغة العربية، فهو لهذا قوي متمكن، وما تمكنه إلا
لمعرفته بالكلمات الفارسية والكلمات العربية، ولاطلاعه على المصطلحات الفارسية
والمصطلحات العربية، له حظ من اللغتين، وهما كالشمع بين يديه. أول ما علينا هو أن
نعرف سعدي. إن فردوسي قلما يستعمل اللغة العربية، وبفردوسي وحده لا تتكون اللغة
الفارسية، ولا الحضارة الفارسية. وحافظ ألا يفهم، وهو الذي بدأ بيت شعره بالعربية؟
"ألا يا أيها الساقي أدِرْ كأساً وناوِلها
كه عشق آسان نمود أول، ولي أفتاد مشكلها"
ويختم القصيد بالعربية أيضاً:
"آكر خواهي أز أو غافل مشو حافظ
متى ما تلق من تهوى دع الدنيا وحولها"
شطره الأول عربي، وشطره الآخر عربي. فهل يعني هذا إن علينا أن نقبل ديوان حافظ ثم
نتركه جانباً، وأن نفعل مثل ذاك مع سعدي أيضاً، ومع مثنوي؟ أن نلقي

كل ما لدينا في زاوية النسيان؟ ثم نبدأ بقراءة شكسبير؟ حسن جداً هذا، وعندئذ ننسى
أننا إيرانيون أصلاً، دع عنك أن نتذكر أننا مسلمون. وعليه، إذا كنا حقا نريد
حضارتنا، الحضارة التي هي دليل استقلال شخصية قوم ما، فعلينا أن نعلم أن بقاء شعب
ما يستند إلى حضارته المبنية على أساس من حضارته القديمة، مهما دخل فيها من جديد،
وإلا فإن ذاك الشعب سيفنى ويضمحل، أو يكون لقيطاً.
فخلاصة القول هي أننا يجب أن نتعلم اللغة العربية، فإذا لم نتعلمها، فلن نبقى
مسلمين، ولا إيرانيين. في مقالات (محيط الطباطبائي) (حفظه الله فهو رجل فاضل وعالم)
نقرأ مواضيع جيدة جداً أحياناً. يذكر إن أحد الذين تلقوا تربيتهم في الخارج كتب
مقالتين في جريدة اطلاعات يقول فيهما إن علينا أن نخرج اللغة العربية من اللغة
الفارسية، وأن كلستان سعدي الذي يدرسه الأطفال في المدارس يجب ألاّ يتعلمه الأطفال،
لأن هذا الشخص سيئ التربية، ويفسد أخلاق الطلبة. لماذا؟ لأنه يقول: الكذب الأبيض
خير من الصدق المفسد، وأن هذا تشويق للصغار على الكذب. عجيب! إن سعدي المسكين يورد
قصة، وهو بنفسه يشرحها،

بشأن الكذبة البيضاء، لا كذبة المنفعة، فثمة كذبة للمنفعة الشخصية، وأخرى للمصلحة
العامة.
يقول سعدي: إنه جيئ برجل أمام الملك، فأمر بإعدامه. فأخذ الرجل، وكان بريئاً، يسب
الملك ويشتمه. فسأل الملك: ماذا يقول؟ فأجابه وزير محب للخير قائلا: إنه يقول:
والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس. إلا أن أحد المفسدين من الوزراء الحاضرين من
الصادقين المذكورين، قال: لا يجوز الكذب في حضرة الملك. علينا نحن الوزراء أن نصدق
القول دائماً. إن هذا الرجل يسب الملك ويشتمه. ولكن الملك كان حصيفاً عاقلاً، فقال:
إن الكذبة البيضاء التي قالها هذا الوزير لمصلحة عامة، أفضل من صدقك المثير للفساد.
فالكذب الأبيض خير من الصدق المفسد.
واليوم حقاً، في كل مكان بريء يريدون قتله. هذا بريء يمر بهذا الزقاق، فيسأل عنه:
هل مر فلان من هنا؟ وبما إنني لا أكذب قط، أقول: نعم، مر من هنا. أي اذهب واقتله.
لم ينبغي ألاّ نكذب؟ لأن ذلك من مصلحة البشر، ولكن إذا اقضت مصلحة أعلى، أي إذا كان
الخيار بين أن نصدق أو أن نكذب لننقذ بريئاً من الموت، فلا شك إننا يجب أن ننقذ
البريء.

كان السيد محيط قد كتب مرة أن الإنكليز عندما دخلوا الهند، أمروا، من جملة أوامرهم،
بعدم طبع كلستان سعدي، وكان عذرهم في ذلك هو ما قيل بأن سعدي يُسيئ إلى التربية،
وأنه يقول إن الكذب الأبيض خير من الصدق المفسد. عندما حققوا في الأمر وجدوا أن
أولئك فعلوا ما أرادوا، لأنهم رأوا أن سعدي يقول في بداية كلستانه:
"أي كريمي كه أز خزانة غيب كبر وترسا وظيفة خور داري
دوستان را كجا كني محروم تو كه بادشمنان نظر داري"
"أيها الكريم الذي ترزق من خزائن الغيب الكافر والمسيحي
كيف يمكن أن تحرم المحبين وعينك ترعى الأعداء"
لقد حسب الأنكليز حسابه، فرأوا أنه إذا وعى الطفل الهندي (إذ كانت الدراسة
بالفارسية) وتعلم في المدرسة أن (ترسا) تعني المسيحي، فهذا يعني أن الإنكليز
المستعمرين هم أعداء الله، فيربون فيه بذور العداء للإنكليز، ثم يقولون: لماذا يأتي
أعداء الله فيحكموننا؟ إلا أن الأنكليز لم يمنعوا سعدي بهذا العذر، بل لقوله إن
الكذب الأبيض خير من الصدق المفسد.
إلى هنا ينتهي ما أردت قوله، وأرجو من المحبين

والأصدقاء أن يسعوا بالدرجة الأولى كفريضة دينية، وبالدرجة ثانية كواجب وطني،
للحفاظ على الثقافة الإسلامية الفارسية -إلى تعلم اللغة العربية تعلماً متقناً، لكي
يستطيعوا الإستفادة من النصوص العربية، ولقراءة القرآن ونهج البلاغة، ودعاء أبي
حمزة الثمالي، والتلذذ بها، ولإقامة الصلاة حتى يلتذوا بها مع التوجه القلب، ولكي
يفهموا ما يقولون في القنوت. وأرجو التوفيق للجميع والسلام.

تفسير سورة الإنشراح

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ
ظَهْرَك * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ
فَارْغَبْ}(الشرح/1-Cool


إن سورة الإنشراح المباركة، التي تخاطب شخص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تتألف
من ثلاثة أقسام. القسم الأول: تذكير وامتنان، تذكير بألطاف الله وعناياته بالرسول
الكريم نفسه. والقسم الثاني: نوع من التعلم، أي العناية وبيان علة من العلل. والقسم
الثالث: استنتاج النتيجة. في سورة (الضحى) التي تأتي قبل سورة الإنشراح ثلاث آيات
هي في سياق واحد مع الآيات الأربع لسورة الإنشراح. تلك الآيات الثلاث هي:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ
عَائِلاً فَأَغْنَى}(الضحى/6-Cool.
أي تذكر ما تفضل به الله عليك من قبل. ثم تأتي الآيات:
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ *
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}(الضحى/9-11).

فكأن آية {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} معطوفة على {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا
فَآوَى} لذلك فإن بعض المفسرين من الشيعة والسنة، يدعون أن سورة الإنشراح وسورة
الضحى سورة واحدة، لا سورتان منفصلتان. بل لقد ورد في بعض الروايات أنه في الصلاة
الواجبة تجب قراءة سورة كاملة بعد سورة الفاتحة. أهل السنة لا يشترطون هذا الشرط،
ويكتفون بجزء من سورة، حتى وإن كانت آية واحدة. ومن المألوف أن تشاهدوا أئمة صلاة
الجماعة في المسجد الحرام أو في مسجد النبي، كثيرا ما يبدأون من منتصف إحدى السور،
ويقرأون سبع آيات أو ثماني أو عشراً، وينتهون بها. أما في فقه الشيعة فتجب قراءة
سورة كاملة بعد الفاتحة. لذلك يحتاط الفقهاء في قراءة سورة الإنشراح وحدها؛ أو سورة
الضحى وحدها. إلاّ أن هذا لا يرتبط بالتفسير ارتباطاً كبيراً.
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}. إنني أوكد كلمة الشرح لكي نعرف معنى (شرح الصدر).
لقد وردت هذه الكلمة في القرآن في صور مختلفة. من ذلك إن القرآن يقول عن موسى بن
عمران إنه عندما بعث وقيل له: إنك

رسول الله، إذهب إلى فرعون... كان أول طلب له من الله أن قال:
{..رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ
لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ
أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ
كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}(طه/25-34).
ونقرأ في مكان آخر:
{فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ
فِي السَّمَاءِ... }(الأنعام/125).
كانت الآية الأولى تتعلق بشخص الرسول، وآية {رب اشرح لي صدري} طلب موسى. فموسى يطلب
من ربه أن يشرح له صدره. فشرح الصدر لا يختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لأن
موسى طلب الشيئ نفسه من الله، واستجاب له الله، فيكون واضحاً أن {شرح الصدر} ليس
مما يقتصر على الأنبياء، فكل من اهتدى إلى الإسلام، وكل من أشرق نور الإسلام على
قلبه، يكون قد {شرح صدره} في الوقع. فما هو شرح الصدر هذا؟

لا بد لنا أولاً أن نعرف معنى الصدر، ومعنى الشرح. كلمة الصدر، من حيث أصلها، تدل
على التجويف الصدري، ولكن هل هذا هو المعنى المقصود في آية {ألم نشرح لك صدرك}؟ أو
في آية {رب اشرح لي صدري}؟ أو في آية {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام}؟
فهل يعني هذا إن عملاً مادياً يجري في الصدر؟ من البديهي إن الأمر ليس كذلك، بل هو
القلب قد جيئ به هنا من باب الكناية لما يختص به القلب الحقيقي، وهو روح الإنسان
نفسه. فالمقصود لا يعني أن الله يشرح قلب الإنسان، بصرف النظر عن معنى كلمة {شرح}.
إذن، فالصدر، مهما يكن، فالمقصود به شيئ روحي، شيئ معنوي، وليس شيئاً مادياً،
جسمانياً.
والآن إلى معنى كلمة (شرح). يرى المفسرون عموماً أن (شرح الصدر) تعني "سعة الصدر".
وهذا تعبير وارد في اللغة العربية، وقد ورد في الحديث: "آية الرياسة سعة الصدر"،
فمن الواضح إن المقصود بسعة الصدر هو اتساعه وكبره، ولكن من الواضح هنا أيضاً إن
القصد ليس القول بأن من كان صدره واسعاً كبير الحجم

يكون متسماً بسعة الصدر، أو إذا كان المرء نحيفاً صغير الجسم يكون محروماً من "آية
الرياسة".
سعة الصدر تعني كثير التحمل والصبر. فهي كناية عن قدرة المرء على التحمل والصبر. أي
إذا أراد شخص أن يصبح رئيساً، كثير التعامل مع الناس، يدير شؤونهم، فعليه أن يكون
واسع الصدر، قادراً على التحمل. فالشخص الذي لا يتسع صدره، السريع التأثر والتهيج،
الثائر الأعصاب، لا يمكن أن يصبح مديراً ولا رئيساً، يدير جماعة من الناس، مهما يكن
نوع هذه الإدارة، خذ مديراً لمدرسة، أو معلماً في الصف يدير التلاميذ، فإذا لم يتسم
بسعة الصدر، لم يستطع إدارتهم. والرجل رب الأسرة إذا أراد أن يدير شؤون أسرته
الداخلية، يلزمه أن يكون واسع الصدر. وكلما كان مجال إدارة الرجل أوسع، تطلب منه
ذلك صدراً أوسع، وحلماً أكبر. وهذا هو على وجه العموم المعنى الذي يفسر به المفسرون
هذه الكلمة، إذ يقولون إن الله قد منَّ بها على الرسول الكريم، فهو يذكره بهذه
النعمة، نعمة الصبر الوافر، نعمة سعة الصدر.
ولكن يبدو أن بين "شرح الصدر" و "سعة الصدر" بعض اختلاف، فحيثما يكون "شرح الصدر"
تكون "سعة الصدر". ولكن ما كل "سعة صدر" تشمل "شرح
الصدر"



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
دروس في القرآن للشهيد مطهري
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دعاء ختم القرآن
» في ظلال القرآن كتاب الكتروني رائع
» سماء الجنــة و النار من القرآن الكريم
»  بعض امراض القلوب كما وردت في القرآن الكريم‎
» من آيات الإعجاز في القرآن الكريم الدكتور زغلول النجار

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اسلامي حياتي :: *¤ô§ô¤*~ المنتدى الإسلامي*¤ô§ô¤*~ :: الفران الكريم-
انتقل الى: